ذكر رجل أنه في ذات يوم من الأيام دخل على أبيه وهو في هم وغم، فلما نظر إليه سأله، فإذا به قد أصابه دين، يقول هذا الرجل -وكان من عباد الله الصالحين، ومن الشباب الأخيار-: فكان دين والدي بمقدار عشرة آلاف أو خمسة عشر ألفاً، وكان مالي عشرون ألف تعبت عليها حياتي وأنا أجمع هذا المال؛ لكي أبني مستقبلي، فلما نظرت إلى ما أصاب أبي ذكرت وصية الله بالوالدين، وذكرت وصية الله بالإحسان إليهما، فقلت في نفسي: لو أنني أعطيته هذا المال الذي أملكه، فجاءني الشيطان وقال لي: تعبك ومالك ومستقبلك يضيع في هذه اللحظة، يقول: فأصبحت في صراع هل أعطيه أو لا أعطيه! إن الفرق بين المؤمن الذي يسمع عن الله ورسوله ويعقل، وبين صم العقلانية الكافرة، أن المؤمن العاقل بقلبه عن الله لا تنفصل في ذهنه ولا في عمله حركة الشرع الإلهي الآمر بالمغالبة والمقاتلة والجهاد والمدافعة لنصر الله عن سماعه بالإيمان والإيقان حديث القدَر المنزَّلَ به الوحي | ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أي: لا نستطيع أن نشكرك حق شكرك، ولا نستطيع أن نذكرك حق ذكرك، بماذا؟ بهذه النعم |
---|---|
فلذلك ينبغي للإنسان أن يسلم الأمر لله، وأن يعتقد صدق الاعتقاد أنه لا حول ولا قوة إلا بالله | خطبة عن اليقين بالله تعالى الخطبة الأولى الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وبعد |
أذكر ذات مرة رجلاً نحسبه من الصالحين، كان عنده في مزرعته رجل ساحر، ولم يكن يعلم بأنه ساحر، فكان هذا الساحر يسهر الليل ويفعل بعض الأفعال المريبة، فانتبه له بعض العمّال الذين معه، فأخبروا صاحب المزرعة، فجاء إلى هذا الساحر واكتشف أمره، فقال له: لن تبق عندي لحظة واحدة، فقال له الساحر: سأضرك، قال: لو علمت أنك تضر وتنفع من دون الله ما أخرجتك من مزرعتي، وبيني وبينك الله الذي لا رب سواه، خرج هذا الساحر، يقول الأخ: الحقيقة أصابني بعض الخوف من هذا الساحر، يقول: وشاء الله عز وجل أنني تلك الليلة جلست أتضرع إلى الله، يقول: وما جاءني النوم، وأنا أقوم وأصلي، والله إنها لعبرة، ففي فجر ذلك اليوم صلى الفجر وذهب إلى دراسته، يقول: فمررت بحي وإذا بالناس مجتمعة، في السكة والطريق، ما بكم؟ يقولون: حادث، يقول: ليس من عادتي أنزل وأرى الحوادث، وأنا ذاهب إلى الدراسة، يقول: فنزلت وإذا بصاحبي قد ضُرب على الأرض والدم يسيل من أذنه ومن أنفه ميتاً على الأرض، ما أحد يغني عن أحد من الله شيئاً، ولكن المشكلة أننا ما قدرنا الله حق قدره، ولا عظمنا الله حق تعظيمه، ولا التجأنا إلى الله حق اللجأ.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ؛ فاستغفروه يغفر لكم ، إنه هو الغفور الرحيم | الأمر الثاني الذي يعين على حب الله: أن تحب الله من نعمه، وأن تنظر في صباحك ومسائك ما ترفل فيه من النعم |
---|---|
ولقد تكلم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن أناس وصل عندهم ما أخبر الله عنه الحد اليقيني الذي لا ريب فيه ولا اضطراب معه، والذي يبلغ حد الاعتقاد بأنه لا يمكن أن يكون إلا كما ورد مطابقا للواقع، فقال عنهم: الم، ذلك الكتاب لا ريب، فيه هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ، فخصهم بالهدى والفلاح من بين العالمين، لأن من صفاتهم التصديق بما يأتي من خبر الغيب، ولا إيمان يرجى ممن لا يؤمن بالغيب | إن اليقين عند المؤمن هو روح حياته كلها، فهو عندما يشك الشاكون ويتردد المترددون وينكُصُ الناكصون، وتُظلم الدنيا في وجه الكثيرين ويبدو للناظر أنه ليس هناك أمل، تزداد ثقته بالله ويزداد توكلا عليه، لأن الإيمان بربه عمَّر قلبه فأكسبه ثقة وتسليما، قال ابن القيم رحمه الله: ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم، فامتلأ محبة في الله، وخوفا منه ورضى به، وشكرا له، وتوكلا عليه، وإنابة إليه |
إني عند المقام وأنا في ركعتي الطواف أبتهل إلى الله عز وجل، وبمجرد أن سلمت كأنني غُسلت بماء، وما كأن بي شيئاً وإلى ساعتي هذه ولا أجد شيئاً مما كان.
27